السبت، 17 يناير 2009

جان شمعون: الفيلم الوثائقي أصدق ويحفظ الذاكرة التاريخية للشعوب


جان شمعون من أهم مخرجي الأفلام الوثائقية في تاريخ السينما اللبنانية والعربية، شكّل علامة فارقة بهذا الاكتفاء بالفيلم الوثائقي، لتقديم سينما مميزة بهذا العدد الذي لا يستهان به من هذه الأفلام التي تناولت شخصيات وأحداث كان لها دورها الاستثنائي، أما فيما يخص القضية الفلسطينية والأوضاع السياسية والاجتياح الإسرائيلي للبنان فقدم شمعون أفلام مثل: حنين الغوردل، أرض النساء، طيف المدينة، رهينة الانتظار، أنشودة الأحرار، تل الزعتر، الناس والأحداث، جان شمعون الذي يشارك هذه الأيام في لجنة تحكيم الأفلام الروائية في القاهرة يتحدث لـ "البناء"عن مسيرته الإخراجية ورحلته مع الفيلم الوثائقي، فإلى تفاصيل هذا الحوار:
دوكيو- دراما
* أنت تنتمي إلى الجيل المؤسس للسينما اللبنانية الجديدة، أي جيل برهان علوية ومارون بغدادي، غير أن هذا الانتماء لم يمنعك من أن تشكل (حالة خاصة) انطلاقاً من النوع السينمائي الذي ارتبط باسمك أي النوع التسجيلي، كيف تقرأ هذه الحالة اليوم؟
** أنا ضد كلمة تسجيلي ولدي موقف من هذه الكلمة، واعتُبرها ارتجالية وغير دقيقة بالمعنى العلمي.
عندما اخترعا الأخوين لاميير الكاميرا واكتشفا أنها أداة هامة تستطيع أن تلتقط الواقع على حقيقته مثلما هو، والتقاط صور متحركة طبيعية للواقع اليومي ثم تطورت الأفكار عند الإنسان وأصبح خياله يستخدم هذه الآلة (آلة التصوير بالعربي)، باختيار مواضيع من هذا الواقع الحقيقي، فتطور الأسلوب إلى التأثر بالعمل المسرحي.
* كيف؟
** مثلاً "جورج مليس" هو من الناس الذين كان لهم اهتمامات كثيرة في المسرح وكان يحقق مسرحيات، وتأثر بالذين كانوا يستعملون الكاميرا في بداية اكتشافها وبدؤوا يكتبون قصص لتصويرها بالكاميرا وهذا ما سمي فيما بعد بالفيلم الروائي.
وقصة الصراع أو الإشكالية التي أوجدتها تسمية تسجيلية، فعلمياً لا نستطيع أن نشوه التسميات، فنحن لم نخترع السينما بل هي أداة نستعملها للتعبير عن أفكار ومواضيع عديدة في الحياة، عن الإنسان ومستقبله وتاريخه، ونستطيع أن نعبر عن هذه المضامين والمواضيع بإسلوب وثائقي، ووثائقي درامي يسمى (دوكيو- دراما) والدراما الروائي، والوثائقي الدرامي هو المزيج بين القصة الدرامية التي تعتمد بناء الموضوع بواسطة ممثلين وليس شخصيات حقيقية، وهذا النوع من السينما الروائية تعتمد على هؤلاء الحرفيين الذين يمثلون بالمسرح والتلفزيون والسينما وعلى الأمكنة والديكور التي تستعمل للفيلم الذي هو قلب الموضوع، والفيلم الروائي يختلف عن الوثائقي من الناحية التقنية بشكل بسيط، إذ يعتمد بشكل أساسي على الاحتراف من قبل الممثلين للشخصية (دوكيو- دراما) أما الفيلم الوثائقي فيعتمد على شخصيات حقيقية من الواقع، على الرغم أن أغلب المشاهد في الفيلم الوثائقي يدور فيها حواراً بين شخصياته- وأحياناً يوجد مشاهد نعتقد أنها دوكيو- دراما.
ممسحة المعبد
* البعض يراك تنتمي إلى السينما الفلسطينية أكثر من انتمائك للسينما اللبنانية، ما رأيك؟
** أعتقد أن هذا ما يسمى بالميول الفكرية والانتماء الإنساني لوقائع القضية الفلسطينية وهي تعنيني بالدرجة الأولى وتعتبر قضية عربية وإنسانية، تهم كل إنسان عربي بكل صدق، من هنا جاء اهتمامي وانتمائي للسينما الفلسطينية والتزامي بالقضية الفلسطينية، التي هي قضية أساسية.
* استخدمت السينما سلاحاً ضد الظلم والموت من خلال إنتاجك لأفلام تتحدث عن القضية الفلسطينية وعن الحرب الأهلية في لبنان، كيف قاربت هذه الأحداث سينمائياً؟
** الصراع ضد الحركة الصهيونية هو صراع حقيقي وإنساني من الناحية الفلسطينية، لأن الإنسان الفلسطيني يدافع عن وجوده، ولا يزال منذ ستين سنة يدافع عن قضيته ويحلم باسترداد أرضه، أما الحرب الأهلية في لبنان تختلف، فهي صراع داخلي نشأ من تدخلات خارجية، ومن تناقض داخلي، هذه الحرب لم تكن مفاجأة لأن طبيعة هذا المجتمع (أي المجتمع اللبناني) يحمل تناقضات حساسة جداً خاصة على المستوى الطائفي ومستوى الانتماء الفكري والإنساني- قاربتها من خلال مستويين الأول الصراع الفلسطيني الصهيوني الذي احتل أرضه، واللبناني الذي كان يقتل من أجل الحفاظ على وحدة لبنان وإلغاء الطائفية، والفريق الثاني كان يعمل على تقسيم هذا البلد عبر المنحى الطائفي الذي يشكل تراجع فكري وإنساني ووطني- نحن هنا نتحدث عن مصير وطن من الممكن أن يتفتت ويزول ولم يعد له وجود، لهذا السبب الصراع العنيف الذي امتد لمدة (خمسة عشر سنة) شكل خطراً ونتائج أضعفت بناء هذا الوطن مستقبلياً، وعندما صورت القضية الفلسطينية والحرب الأهلية اللبنانية جعلت المشاهد يرى الحقائق على أرض الواقع كما هي سواء في لبنان أو فلسطين.
* البعض يرى أن الفيلم الوثائقي "ممسحة المعبد" أي سينما من درجة ثانية فما الذي أغراك في هذا النوع من السينما؟
** ابتداءً من قناعتي أن الفيلم الوثائقي بشكل عام هو أصدق، يعتمد على حقائق ووقائع موجودة بالواقع، ويؤرخ لفترة أو حادثة أو شخصية، ويعتمد على شخصيات حية، ويشد المشاهد لأنه يعكس الحياة الواقعية، ويحفظ الذاكرة التاريخية للشعوب فيما الأفلام الروائية قد يطويها النسيان . بح
فظ الذاكرة التاريخية للشعوب بحفظ الذاك انطون سعادة رة التاريخية للشعوب
* أين أصبح مشروع إخراجك فيلم عن المفكر انطون سعادة؟
** توقف هذا المشروع عام 1982 بداية الاجتياح الإسرائيلي إلى لبنان وكان قد صُور مشهد واحد منه، حتى هذا المشهد لم يكتمل بسبب قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة بيروت، والفيلم فيه تصورات تاريخية وشخصيات عاشت جزء من التجارب مع انطون سعادة، ولكن حالة الحرب والأحداث التي عصفت بلبنان هي التي أجبرتنا على إيقاف تصوير الفيلم، لأنه طلب منا تصوير فيلم وثائقي عن الاجتياح وحصار بيروت، وتصوير الواقع بشكل يومي مثل مجزرة صبرا وشاتيلا، ومن بعدها حصل تطور في الوضع اللبناني، وعدة أشياء جعلتنا نرى الواقع كيف أصبح، التناقض بين الإنسان اللبناني والفلسطيني والعدو الصهيوني الذي لا يزال يحتل جزءاً كبيراً من الأراضي اللبنانية، جعلنا نهتم بالواقع أكثر.
* ولكن الحرب انتهت، ما الذي يمنعك من اكمال هذا المشروع؟
** المشروع ما زال قائماً وهو مهم بالنسبة لي، والذي يمنعني هو التمويل، وإذا قُدر لي سوف أقوم بإخراجه كفيلم روائي يتحدث عن شخصية انطون سعادة وتجربته، بعد إن كانت الفكرة أن يكون فيلماً وثائقياً، وقد كان هناك فكرة للاتصال بمغتربين لبنانين للمساهمة في تمويل هذا الفيلم وإنتاجه وقد ناقشت هذا الموضوع مع أناس قريبين من شخصية انطون سعادة ولكن الأحداث والتطورات التي مر بها لبنان حال دون الاتصال بهم، وأتمنى أن شاء الله أن أنجز هذا الفيلم يوماً ما.
* ما هي أغواءات هذه الشخصية لتكون مداراً لفيلم؟
** لأن انطون سعادة يعتبر من المفكرين الآوائل في القسم الثاني من القرن العشرين في هذه المنطقة، وكان إنساناً صادقاً وجريئاً بمواقفه ضد العدو الصهيوني، وكانت مواقفه واضحة ذات بعد وطني، والبعد الوطني الذي أقصده يشمل الوطن العربي وبالتحديد منطقة المشرق العربي.
* أفلامك كانت عبارة عن مزج الروائي بالوثائقي أي "دوكيو- دراما" حتى في فيلمك الروائي الوحيد (طيف المدينة) لم تبتعد عن النزعة الوثائقية، كيف استطعت أن تجمع بينهما؟
طيف المدينة
** نعم هذا كان في فيلمي (طيف المدينة) المضمون فيه يدخل إلى واقع حقيقي عشته شخصياً كشاهد عاش الحرب وحقق أفلاماً وثائقية وثائقية درامية (دوكيو- دراما) فكان أن أتى يوم وقررت أن أكتب سيناريو (طيف المدينة) واخراجه في مطلع الـ "2000" وقد تم تحقيقه انطلاقاً من المنحى والقناعة التي نؤمن بها في السينما.
* وكـأن مشروع فيلمك الوثائقي جاء على حساب الفيلم الروائي؟
** هي لم تكن على حساب فيلمي الروائي، ولكن هي قناعتي بالأفلام الوثائقية التي تجسد الواقع بكل حذافيره، جزء منه له علاقة بتجارب عشتها أيام الحرب، وباعتقادي أن الفيلم الوثائقي أصعب من الفيلم الروائي على صعيد العمل لعدة أسباب منها: أن الفيلم الروائي عبارة عن فكرة موجودة لدى الكاتب وهذه الفكرة سوف تصبح سيناريو، صحيح أنها مستوحاة من الواقع الحقيقي الذي نعيشه، وسيأتي وقت يتم فيه الإنتهاء من كتابة السيناريو، كما سياتي شخص يجسد هذه الفكرة تمثيلياً، وتحقيق هذا السيناريولفيلم روائي يأتي مريحاً بالنسبة لي ولكن الصعوبة الوحيدة في الفيلم الروائي هو التمويل، أما الفيلم الوثائقي يجب أن يكون المخرج حاضر قبل العمل وخلال التصوير، فالارتجال العفوي الذي يعيشه المخرج خلال التصوير ليس سهلاً لأنه أمام شخصيات حقيقية وليس ممثلون، وإذ لم يكن لديه القدرة لبناء علاقة صادقة وعفوية مع شخصيات الفيلم الوثائقي لن ينجح، لأن العلاقة الإنسانية أهم شيء في العمل السينمائي، والمثل على ذلك أنني حتى الآن جميع الأفلام الوثائقية التي حققتها شخصيات أفلامها أصدقاء لي مدى الحياة.
فيلم الحكاية
* الفيلم الوثائقي لا يسوق له كما يجب، برأيك ما هي الأسباب التي تحول دون تسويقه، وهل تجد تسويق لأفلامك عربياً وعالمياً؟
**هذا يعود لعدم إدراك الجمهور لأهمية الفيلم الوثائقي وثقافته، وكذلك البعد التجاري له دور عند المنتج والموزع، وهناك من يقول أن الإنسان العربي يميل إلى القصة أو الحكاية أو الرواية، من خلال الفيلم الروائي وأنا مع هذه المقولة ، كذلك الفيلم الوثائقي يحكي حكاية أيضاً، ولكن الفرق بين الروائي والوثائقي أن الأول يربط الأمور ببعضها والثاني له أسلوب مختلف، يخبر عن قصة عبر شخصيات حقيقية تضعك أمام واقع حقيقي ليس من الضروري أن يضعك الفيلم الروائي فيه.
* هل تساعد الفضائيات الوثائقية في إعادة الاعتبار للفيلم الوثائقي؟
** نعم.. وكان ثمة التعاون مع قناة الجزيرة منذ سنتين بعد حصول فيلمي أرض النساء على الجائزة الذهبية في مهرجان الجزيرة، حيث اقترحت علي قناة الجزيرة الوثائقية التعاون معها، وأخذت مني أفلاماً وعرضتها منها حنين الغوردل، وقد بدأت العدوى وذلك بسبب ارتفاع المستوى الثقافي وتطور نوعية الأفلام وخاصة على مستوى الفيلم الوثائقي حيث نرى الصدق والعفوية والواقع على حقيقته وفي تفاصيله، وثمة تعود للمشاهد اليوم على هذه النوعية من الأفلام لقربها من واقع الإنسان وهمومه.

بيروت- ثناء عليان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق