السبت، 17 يناير 2009

المخرج سامر زرقا: المسرح قائم على جهود فردية


امتازت أغلب أعمال المخرج المسرحي السوري سامر زرقا المتخصص بمسرح الطفل بأنها كانت لصالح مهرجانات خاصة في السعودية، فهو يعمل لصالح فرقة سعودية ويسافر مرتين في العام لإخراج أعمال للأطفال في جدة، كما أنه يعمل حالياً في شركة عالم قرناس وهي شركة عربية تهتم بمشروع متكامل لعالم الطفل من تلفزيون ومسرح وأفلام كرتون حيث تقوم بتصنيعها بشكل عربي كامل بعيداً عن كل ما يجلب من الغرب، ويقوم المخرج زرقا بالإشراف على النصوص المؤلفة عربياً وذلك من خلال تسجيلها الصوتي كما يشرف على اخراجها.عن مشاريعه يقول المخرج زرقا: بالنسبة لمسرح الطفل هناك مشاريع قادمة نحضر لها ستعلن في وقتها مع أكثر من جهة غير حكومية، أما بالنسبة لمسرح الطفل في مديرية المسارح فقد شاركنا منذ أكثر من عامين بمهرجان الطفل العربي في العاصمة الأردنية عمان وحصدنا بعض الجوائز منها جائزة أفضل ممثل دور ثان، وأفضل ممثلة دور ثان، وأفضل ديكور بالرغم من أن هذا العمل كان يجب أن يحصد جوائز أكثر.. ‏ہ ما هو واقع مسرح الطفل في سورية؟ وإلى أين وصل، وماهي العقبات التي تحول دون الارتقاء به؟ ‏ہہ إنه لم يصل.. إنه في مكانه!.. أعود وأؤكد أن المسرح في سورية قائم على جهود فردية حتى في مجال المسرح الحكومي.. أتعجب لماذا لم يرسل بعض المخرجين للاختصاص بمسرح الطفل وللاطلاع على مدى ما وصل إليه المسرح في العالم، فأهم ما في ذلك هو التعرف على التقنيات الموجودة الآن في العالم المتطور والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عروض الأطفال. بينما نحن ما زلنا نعتمد على الشكل التقليدي للمسرح بكل أركانه من إضاءة وتكنيك وإمكانات الممثلين. في العالم الغربي يوجد ممثل متخصص بمسرح الطفل ومخرج وموسيقي، بينما اذا نظرنا في واقعنا فنحن، بصفتنا مخرجي مسرح طفل، نعتمد على الخبرة التي اكتسبناها من تجاربنا؛ فأنا لست متخصصا بمسرح الطفل ،وهناك ممثلون يعملون بمسرح الطفل كمخرجين ويحققون نجاحات أيضاً باجتهاد شخصي. أظن أننا كلنا نشكل دعامة جيدة لو تابعنا دراستنا العليا بالتخصص بمسرح الطفل ولكننا كبقية الموجودين لن نستطيع أن نفعل ذلك ولا أريد التكلم بشكل عام بل عن نفسي فلدي أسرة لن تغفر لي التفكير بنفسي والسفر لمتابعة التحصيل بينما هم محتاجون لكل قرش قد أصرفه حتى على متابعة اختصاص ما. ‏ہ كيف يمكن أن نطور هذا المسرح؟‏ہہ بالتخصص فقط.. يحتاج بلدنا الى تخصصات في مسرح الطفل وعلى مستوى عال على صعيد الإخراج والتمثيل. فالممثل يعمل اليوم في مسرح الطفل وغداً في مسرح الكبار وبعد غد في مسرح الدمى، ولا أتعجب أن يكون بعد بعد غد في مسرحية راقصة رغم أن شكله لا يتناسب مع هذا النوع من المسرح.. إنه بحاجة للعمل في أي نوع من تلك الفنون فهو يريد أن يعيش.. تعترينا مشكلة عدم الأمان المادي وحجم العمل لايغطي ما تحتاجه أسرة الفنان. ‏ہ مازال مسرحنا، يدور حول قصص «سندريلا، ليلى والذئب» ألم يسبق وعي الطفل مثل هذه الطروحات؟!. ‏ہہ المخرج عندما يختار نصاً يحاول في أغلب الأحيان أن يختار نصا معروفاً ليس على الصعيد المسرحي بل على صعيد الحكاية.. لهذا نقع بمصيدة الكلام عن النص العربي أو المحلي ومقدار انخفاض مستواه الفني. ‏أنا أرى أن المشكلة في عدم ثقتنا ببعضنا، لدينا كتّاب أطفال ولكننا نذهب الى الأضواء على صعيد اختيار النص، فنحن نحتاج لكتّاب مشهورين أو قصص قد قدمت تلفزيونيا لأن ظهورها يسهل الحصول على النجاح مادمت كمخرج تفهم لعبة مسرح الطفل. ‏في الآونة الأخيرة كانت لي تجربة جميلة مع كتاب سوريين محليين وأغلب هذه الأعمال جهزت لعرضها خارج سورية وأنا أعتز بما قدموه لي من أفكار قد لا تكون بشهرة سندريلا أو سنووايت لكنها أفكار لطيفة وليست بالسهلة أبداً وقد تكون بداية لإنشاء ورشات متكاملة على صعيد العمل بمسرح الطفل. ‏ہ ألا ترى أن المسرح لم يتناول مشكلات الطفل الحقيقية، مثل العمالة، التشرد؟ ‏ہہ أنا أظن أن موضوعات كهذه يجب أن تقدم لمن وراء هذه الحالات أي إلى المتلقي الناضج الكبير، فأنا لا أستطيع أن أقول لطفل واقعه محزن لم يدرس، وليس هناك من يعيله بأنه مسكين أو على خطأ أو يجب ألا يعمل، بل جمهوري بهذه الحالة يجب أن يكون أهل الطفل أو من يشغّله أو حتى صاحب القرار الذي لايمنع مثل هذه الحالات، أو لمن لايمد يد المساعدة لهم. ‏ہ من هنا كيف يمكن أن يسهم المسرح في تنمية شخصية الطفل؟ ‏ہہ من كل ماورد سابقاً أرى أن المسرح قادر على إعطاء الطفل الكثير من الأجوبة التي يحاول الأهل أن ينمقوا أجوبتهاوذلك خوفاً من أن تؤثر إجاباتهم على شخصية الطفل، أو بدافع الادعاء بلغة التربية الحديثة أو السلوك الجيد الأحادي الجانب.. لدرجة أن الطفل يرى هذا العالم بشكل لازوردي، وأول مايصطدم به هو واقع العلاقات بين التلاميذ في المدرسة، فتنقلب عنده كل المفاهيم الجميلة في الحياة لتصبح عقداً لاتزول. لهذا أرى أن واجب المسرح تقوية النواحي الايجابية لدى الطفل وبالوقت نفسه افهامه هذا الواقع من الصراع بين الخير والشر، وليس بشكل عمومي بل بالدخول الى ماهية هذا الصراع، فالشر في هذا العمل أو ذاك مختلف عن عمل مسرحي آخر.. النية الحسنة التي توصل الى الأخطاء هي شر غير مقصود، والاندفاع لفعل الخير بشكل غير واع أو مدروس هو شر لأن نتائجه تؤدي في أغلب الأحيان الى نتائج وخيمة. لهذا على المسرح أن يعلم الطفل طريقة محاكمة هذه الأشياء المعقدة من خلال رموز بسيطة يفهمها هو. ‏ہ تحول هذا المسرح الى مسرح مناسبات «فترة الأعياد والعطل» ماهي الأسباب برأيك؟ ‏ہہ هو لم يتحول بل هو كذلك بالأصل في بلادنا العربية، والسبب ليس الطفل وإنما ظروف حياة الآباء والأمهات التي تنعكس عليه. ‏حتى الآن لايعي الأهل أن المسرح هو حاجة هامة لتنمية أطفالهم وتوسيع مداركهم، في اللحظة التي لا تطفأ أجهزة التلفاز عن محطات الأطفال، رغم كونها تكرس مفاهيم العزلة لدى الأطفال إذا تحول المكوث لرؤية التلفاز الى حالة أسميها الإدمان التلفزيوني «أي أشاهد ولكن لا أرى بل أنا في غيبوبة كاملة أسمع ولكن لا أستوعب» بينما المسرح يشد الطفل ويدمج أحاسيسه بأحاسيس الأطفال الآخرين، ناهيك عن أن لقمة العيش صعبة ولايستطيع الأهل أن يتفرغوا لأطفالهم إلا في الأعياد والمناسبات متناسين كل الصعوبات الواجب إزالتها في الأيام العادية، وعندها فقط يستطيع المنتجون أن يعوضوا خسارتهم على الصعيد المادي فمسرح الطفل مكلف، وليس كما يظنه بعضهم. ‏ہ هل تحول مسرح الطفل في سورية الى مسرح تجاري؟ ‏ہہ فلنتفق على مصطلح المسرح التجاري إذا كان المقصود الإنتاج الخاص فهو بلا شك يهتم بالناحية المادية ولكن ليس بمعزل عن الناحية الفنية للعرض، لأنه بدأ يفهم المعادلة أن العرض السيىء لا يجلب جمهوراً وبالتالي خسارة وتوقف لكل المشروع، وبالمقابل الإنتاج الضخم والمبالغ الطائلة لا تصنع مسرحاً. ‏من هنا نستنتج أن النص الجيد والممثل الجيد والمخرج الجيد بتمويل مادي جيد ودعاية جيدة وهي مكلفة يعطي مردوداً جيداً على الصعيدين المادي والفني وهذا يعني الاستمرارية، أما تلك العروض التي يقول بها أشخاص في الأعياد مثلاً وهي تفتقر لأقل ضوابط مسرح الطفل، فهي تجارية وهدفها جمع النقود من خلال الضحك على الأطفال كأن تكون المسرحية لمدة عشر دقائق والدخول بعشر ليرات والجلوس لا يهم إن كان على الأرض أو لكل طفلين في مقعد ولا يهم إن كان العرض في بيدر أو تحت سقف خيمة ولقد رأيت الكثير من هذه الحالات. ‏ہ عالم الطفولة له الكثير من الخصوصية، كيف تتعامل مع هذا العالم من خلال مسرح الطفل؟ ‏‏ہہ من خلال تعريف «أليس رودنبرغ» وهي رائدة في مضمار مسرح الطفل إبان الحرب العالمية الثانية إذ تقول: إن هذا المسرح يقدم للأطفال ما يلائم أعمارهم، ويدخل البهجة الى قلوبهم، ويغذي فيهم في الوقت نفسه روح البطولة والشهامة، وحب الخير والجمال، هذا التعريف البسيط يحمل في طياته خصوصية مسرح الطفل المعقدة والصعبة، والتي بدونها لايمكن التواصل مع الطفل. لهذا أرى ومن خلال الخبرة التي اكتسبتها من العمل في المسرح أن من أهم ما يجب أن يؤخذ في مسرح الطفل هي تلك القصص والحكايات التي يعرفها الطفل والتي قد سمعها من جدته أو قرأها في مجلة.. بهذا الشكل أستطيع أن أغطي النقص الحاصل بين الطفل والمسرح.. الطفل الاوروبي يداوم على مشاهدة العروض المسرحية ـ عرض مسرحي كل أسبوع تقريباً ـ حتى أصبح هذا المسرح جزءاً من حياته. أما الطفل العربي بالعموم فهو بعيد عن جو العروض المسرحية.. كم شاهدت من الأطفال الذين يخافون من رؤية الشخصية الشريرة بينما هذا لاترينه عند الطفل الأوروبي، والسبب هو أن الطفل الأوروبي يعي تماما لعبة المسرح وأجواءها، لهذا أظن أن من المهم كثيراً أن يحقق المخرج المصالحة الأولى مع مشاهده «الطفل العربي» لهذا أحاول من البداية أن أدخله بحالة إبهارية من موسيقا وأضواء، ودائماً أحاول أن يبدأ العرض بحالة تعريفية من التواصل المباشر من خلال رقصة أو أغنية.. وخلال العرض أحاول أن أرسل له دلالات واضحة عن الشخصية الشريرة.. ولكن لا أجعلها مخيفة أو غبية أو.. أو.. فأنا مهووس بعبارات مثل «الشر قادم.. الشر موجود.. الشر أقوى من الخير إذا لم يتسلح الخير بالشجاعة أو الذكاء» وكل هذا من خلال لعبة واضحة جداً ودون أية حالة استغباء لمشاعر الطفل. بل على العكس ربما أخيب أمله بحل لا يخطر على باله، بمعنى آخر أحرض أحاسيسه وأتركه في النهاية ليعطي محاكماته العقلية، فأنا لا أرى أنه غريب على الطفل في بعض الحالات أن يستلطف الشخصية الشريرة.. وهذا حصل.. لكن ما لا أحبه هو أن يتبنى سلوكها. ‏


حوار: ثناء عليان

هناك تعليق واحد:

  1. المخرج القدير ... مجتهد كثيراً ويعلم ما يقول ويمتلك من الخبرة في الحياة والعمل المهارات المبهرة والكافية لجعل شخصيته متوازنة ومعطائة.. حتى مجرد الجلوس والحديث معه هو مدرسة من الاستماع للكلام الجميل.

    الله يقويك معلمي العزيز,,,

    ردحذف